برزت الإمارات كأحد أبرز الفاعلين القادرين على المزج بين الدبلوماسية الهادئة والعمل الميداني المنظم في ظروف إقليمية تتزاحم فيها الأزمات والحسابات المعقدة.
وخلال العامين الماضيين، تحركت دولة الإمارات في مسارات متعددة داخل غزة والسودان، ليس بوصفها داعماً مالياً فحسب، بل كقوة إقليمية تسعى لإعادة صياغة مفهوم الاستجابة للأزمات عبر «دبلوماسية المسؤولية».
هذا النهج الذي يجمع بين الإسناد الإغاثي المكثف والتحركات السياسية المبنية على التوازن والاتصال المستمر مع الأطراف الدولية منح الإمارات موقعاً محورياً في المشهد الإقليمي، ورسّخ دورها كجسر يربط بين المبادرات السياسية ومسارات الدعم الإنساني العاجل.
استطاعت الإمارات أن تفرض نموذجاً عملياً قائماً على الفاعلية بعيداً عن الشعارات والتجاذبات التي أنهكت ساحات الصراع.
يرى خبراء في شؤون الشرق الأوسط أن الإمارات حافظت على خطاب دبلوماسي ثابت يدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار، وإلى فتح ممرات إنسانية مستدامة، بالتوازي مع تحرك دبلوماسي بعيد عن الأضواء مع شركاء غربيين وإقليميين لتخفيف القيود على دخول المساعدات.
هذا التوازن بين العمل الإغاثي والضغط السياسي الهادئ وضع الإمارات في موقع وسيط قادر على حشد موارد سريعة وبناء تفاهمات ضرورية في بيئة تشهد تراجع الثقة بين الأطراف.
بنية تحتية لوجستية متقدمة
ترسخ القدرة التنفيذية الإمارات كأحد أهم عناصر قوتها في ساحات الأزمات، فالإمارات ليست مجرد مانحاً كبيراً بل تمتلك بنية تحتية لوجستية متقدمة وأساطيل جوية وساحلية تسمح بإيصال المساعدات في أوقات قياسية، إضافة إلى منظومات توزيع تعتمد على التكنولوجيا والتنسيق المتقدم.
تعزز هذه العناصر شراكة الإمارات مع الأمم المتحدة في العمليات الإنسانية المعقدة، وفي مقدمتها غزة، حيث لعبت قدرة تنظيم الجسور الجوية والبحرية دوراً حاسماً في الحفاظ على تدفق المواد الإغاثية.
ويؤكد الخبراء أن هذا الدور سيستمر في اكتساب أهمية متزايدة، خصوصاً مع نجاح الإمارات في تعزيز الشفافية من خلال آليات مستقلة لمتابعة حركة المساعدات، ما دحض أي شكوك حول وصولها إلى وجهتها الصحيحة بعيداً عن التسييس.
سياسة نشطة
يؤكد محمد الديهي، نائب مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية، أن الإمارات تلعب دوراً بارزاً في حل الأزمات والقضايا العربية من خلال التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
وتوضح أن الإمارات تتبنى دوماً سياسة نشطة تجاه القضية الفلسطينية ضمن ثوابت الموقف الداعم للفلسطينيين وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وينعكس هذا النهج أيضاً على الأزمة السودانية عبر دعم الموقف الفلسطيني بالآليات العربية والإسلامية الرافضة لتهجير الفلسطينيين والمساهمة في إعادة إعمار غزة ودفع عجلة السلام الشامل.
ويشير الديهي إلى أن الدور الإماراتي يمتد على كافة المستويات السياسية، وكذلك في المجال الإنساني من خلال إيصال المساعدات والإغاثة إلى أهالي قطاع غزة.
ويبرز هذا النهج التزام الإمارات بالجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي من جهة، والدعم الإنساني المباشر من جهة أخرى، بما يعكس تكامل أدوات القوة الناعمة في سياستها الخارجية.
حماية المدنيين
وعلى صعيد الأزمة السودانية، يشدد الديهي على حرص الإمارات على حماية المدنيين وحفظ حياتهم منذ الأيام الأولى للأزمة، حيث أصدرت بيانات رسمية منذ مايو 2023 وحتى أكتوبر 2025 تدعو المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته تجاه الانتهاكات والجرائم الموثقة يومياً في السودان.
ويذكر الديهي أن الإمارات دانت في 9 يونيو 2024 الهجمات على المدنيين في مدينة الفاشر ووصفها بأنها «تصعيد خطير وانتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني».
ويؤكد الديهي أن الإمارات تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف في الأزمة السودانية، وتعمل عبر آليات تنسيق عربية ودولية لدعم الاستقرار، بما في ذلك مشاركتها في الرباعية الدولية بشأن السودان، التي تضم مصر والسعودية والولايات المتحدة والإمارات، كمبادرة تهدف إلى تهدئة الصراع وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
داعم أول لاستقرار السودان
وفيما يتعلق بالسودان، يوضح المحللون السياسيون أن مقاربة الإمارات في السنوات الماضية كانت تقوم على المزج بين الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية، في محاولة للمساهمة في استقرار بلد لطالما مثّل عقدة جغرافية وسياسية في الإقليم.
وبحسب الخبراء، لعبت أبوظبي دوراً واضحاً في تمويل مشاريع تنموية وتسهيل الحوار بين بعض القوى بهدف خلق قاعدة دعم للاستقرار.
ويشير الخبراء إلى أن الإمارات تعتمد على الشفافية والتعاون الرقابي مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، حفاظاً على الدور الحيوي الذي تلعبه الإمارات في المسارات الإنسانية والسياسية على حد سواء.
حلقة وصل سياسية وإنسانية
ويرى خبراء أن الإمارات بما تمتلكه من حضور وتأثير هي الأكثر قدرة على الاستفادة من هذه الآليات لتعزيز مصداقيتها وحماية دورها المتنامي في ملفات المنطقة.
ويتفق الخبراء على أن الإمارات باتت اليوم في موقع يمكّنها من لعب دور «حلقة وصل سياسية وإنسانية» في أزمات غزة والسودان، بفضل مزيج من الأدوات الإغاثية والقدرات اللوجستية والعلاقات الدولية المستقرة.
إلا أن نجاح هذا الدور يتعزز مع توسيع التعاون الدولي مع مؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والمنظمات الحقوقية، فبهذه المقاربة الحكيمة التي تتجنب الصدام وتستثمر في العمل الميداني يمكن للإمارات الحفاظ على موقعها كدولة فاعلة في إدارة أزمات المنطقة.
تعزيز مسار السلام
ويؤكد المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبدالمهدي مطاوع أن السياسة الخارجية الإماراتية في الملف الفلسطيني تقوم على مرتكزات ثابتة هدفها تعزيز مسار السلام ودعم الشعب الفلسطيني عبر أدوات سياسية ودبلوماسية وإنسانية متوازنة.
ويشير إلى أن الإمارات تتبنى نهجاً واضحاً في التعامل مع التطورات في غزة يقوم على الدفع نحو حلول سياسية حقيقية بالتنسيق الكامل مع الدول العربية المركزية مثل مصر والسعودية، بما يعيد إحياء مسار التسوية ويفتح الباب أمام ترتيبات اليوم التالي للحرب.
ويشرح مطاوع أن الإمارات تمتلك رؤية دقيقة لإدارة المرحلة المقبلة في غزة تقوم على دعم ترتيبات دولية لإعادة البناء وتعزيز الاستقرار.
تحرك بارز داخل مجلس الأمن
ويضيف مطاوع أن هذا الموقف السياسي يتوازى مع تحرك إماراتي بارز داخل مجلس الأمن، حيث لعبت الإمارات دوراً مهماً في تعديل المسودة الأمريكية المتعلقة بقوة الاستقرار الدولية المقترحة لإدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب لضمان أن تكون تلك القوة داعمة للاستقرار وليست قوة اشتباك أو صدام.
وعلى الصعيد الإنساني، يوضح الخبير الفلسطيني أن الإمارات قامت بدور محوري منذ الأيام الأولى للحرب عبر «عملية الفارس الشهم»، التي شكلت أحد أهم برامج الإغاثة الدولية الموجهة لدعم سكان القطاع.
ويشير إلى أن هذا البرنامج أصبح عصباً رئيسياً في الجهود الإنسانية العالمية من خلال تنوع تدخلاته بين الإغاثة العاجلة، والمساعدات الغذائية والطبية، مروراً بنقل الجرحى وترتيبات سفرهم للعلاج داخل الإمارات مع عائلاتهم، وصولاً إلى كفالة الأيتام الذين فقدوا أسرهم في العدوان.
ويؤكد مطاوع أن هذا التحرك الإماراتي جرى في إطار تنسيق وثيق مع السلطة الفلسطينية والدول العربية الفاعلة بهدف إعادة إطلاق مسار سلام حقيقي يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، باعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار المستدام في المنطقة.
خبراء
محمد الديهي: الإمارات شريك رئيسي للأمم المتحدة في العمليات الإنسانية المعقدة، والدور الإماراتي يمتد على المستويات السياسية والإنسانية كافة.
عبدالمهدي مطاوع: التحرك الإماراتي لعب دوراً بارز داخل مجلس الأمن.
انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات نيوز ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات نيوز ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
