لم يكن صعيد مصر يومًا بمعزل عن التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد، لكنه ظل طويلًا محافظًا على ملامحه التراثية وعاداته المتوارثة. وبين هذه الملامح، برزت مهن قديمة شكّلت جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، ثم اندثرت مع تطور العصر، لتبقى مجرد حكايات على لسان الأجداد. شاعر الربابة والحكّاء.. صُناع الفرح والبطولة كان شاعر الربابة صوت القرية في أفراحها، يروي البطولات الشعبية مثل "سيرة بني هلال" ويبعث الحماسة في النفوس. إلى جانبه، كان الحكّاء في المقاهي يسرد قصص الأبطال على السامعين. اليوم، اختفت هذه الفنون أمام سطوة مكبرات الصوت والتلفاز، لكن بقاياها لا تزال تعيش في وجدان الأجيال. الحرف اليدوية.. الحدّاد والعجّان والفَرّان من الحدّاد الذي يصنع الفؤوس والمحاريث بيده، إلى العجّان والفَرّان الذين يحضّرون العيش البلدي في الأفران الطينية، شكّلت هذه المهن عصب الحياة اليومية. لكنها لم تصمد أمام موجة الصناعة الحديثة والمخابز الآلية. السقا.. حامل الماء إلى البيوت قبل أن تدخل المياه إلى المنازل عبر الشبكات الحديثة، كان "السقا" يجوب القرى والنجوع حاملاً قِرَب الماء المصنوعة من الجلد. كان صوته وهو ينادي على الزبائن مشهدًا مألوفًا في شوارع الصعيد، ورغم مشقة عمله، كان رمزًا للعطاء والاعتماد المتبادل بين الناس. الصفّار.. النحاس سيد الم台خ اشتهرت بيوت الصعيد بأواني النحاس الثقيلة، التي كان يصنعها ويجددها "الصفّار". كانت مهنته دقيقة وتتطلب مهارة وصبرًا، إذ كان يشكّل النحاس ويطرقه ثم يلمّعه حتى يلمع كالمرايا. ومع انتشار الألومنيوم والستانلس، تراجع دور الصفّار إلى أن اختفى تقريبًا. المكاري وتجار الجمال.. وسيلة التنقل القديمة في غياب السيارات ووسائل النقل الحديثة، كان "المكاري" يؤجر الحمير أو الجمال لنقل الركاب والبضائع بين القرى. أما تجار الجمال فكانوا يوفّرون وسيلة النقل الأساسية عبر الصحارى والطرق الوعرة. اندثرت هذه المهنة مع ظهور السيارات والشاحنات، لكنها بقيت مرتبطة في الذاكرة بصورة "القافلة" التي كانت تعبر القرى. الحلاق الشعبي.. الطبيب غير الرسمي لم يكن الحلاق في الصعيد مجرد صاحب "موس" وكُرسي خشبي، بل كان يؤدي دورًا اجتماعيًا وصحيًا في آن واحد. كان يقص الشعر ويحلق اللحى، لكنه أيضًا يخلع الأسنان ويجري عمليات "الحجامة" ويصف وصفات شعبية للمرضى. مع مرور الزمن، تلاشى هذا الدور مع انتشار المستشفيات والعيادات. تراث يختفي.. وذاكرة تبقى رغم أن هذه المهن غابت من الواقع، إلا أن صعيد مصر لا يزال يحتفظ بها في ذاكرته الشعبية وأغانيه وأمثاله. فهي ليست مجرد أعمال، بل شواهد على زمنٍ عاش فيه الناس ببساطة، وتعاونوا على مواجهة مشاق الحياة بمهارات متوارثة. نحو حفظ التراث الشعبي ولأن هذه المهن تحمل قيمة ثقافية وإنسانية، فإن الحفاظ عليها في شكل متاحف تراثية أو مهرجانات شعبية سيعيد إحياء الذاكرة، ويُعرّف الأجيال الجديدة بجذورهم وتاريخهم. كما يمكن أن تتحول إلى عناصر جذب سياحي، تروي للعالم قصة الصعيد وتراثه الغني. ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الطريق ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الطريق ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.