اخبار / مصر اليوم

عبد الرحيم كمال يكتب: التسويق الجيد للمُنتّج الردىء

75e6d23fec.jpg

لا أدرى متى بدأت تلك الفكرة؟، ربما خطرت أولًا فى رأس إبليس حينما أشار لآدم وحواء أن يأكلا من الشجرة المُحرمة، كان كل شيء ممنوحًا ومتاحا بلا منع عدا تلك الشجرة، وهنا جاءت الفكرة التى روّج لها إبليس بلسان مندوب مبيعات حاذق، همس فى أذن المخلوق الجديد بكل المزايا الزائفة وألصقها بثمرة تلك الشجرة، قال له كذبًا إنها شجرة الخلود التى ما إن يتذوق آدم وزوجه حواء ثمرتها حتى يصيرا ملكين خالدين لا يذوقان بعدها طعم الموت أبدًا، وهكذا اشترى آدم الفكرة وذاق وعصى، وكان ذلك الحدث هو الحدث المُلهم بعد ذلك لكل المسوقين وشركات الدعاية والإعلان الذين جعلوا كل منتج رديء يوضع فى أفخم علب الهدايا، وزينوا تلك العلب بالورد والموسيقى والإضاءة الخلابة، واستهلك البشر على مدى أعمارهم على وجه الأرض الكثير من السلع والمنتجات والأفكار الفاسدة على أنها هدايا ومنح وعطايا، وحازت الأفكار الفاسدة المقدمة فى صياغات براقة على أعلى أوسمة الخديعة، وصاغتها عقول كبيرة وحولتها إلى كتب ومواثيق وعهود حتى استطاعت تلك الأفكار أن تمنح من لا يملك أرضًا ووطنًا لمن لا يستحق، وجعلت لها إطارًا إنسانيًا مُختلقًا لتوطين بشر من أصقاع الدنيا على حساب المواطنين الأصليين.

 

وكذلك استطاع الإنسان أن يسوق أفكارًا كثيرة سيئة فاسدة فى أُطر وصياغات خادعة، واشتراها الناس فى الشرق والغرب والجنوب والشمال، وظل ذلك السوق يُطارد الأفكار ويحاول أن يجعل كل شيء قابلا للبيع والشراء هاربًا من فكرة النفع والضرر، لاعبًا على وتر الجذب والمتعة، محاولًا أن يضع ألوانًا على الكذب، ومكسبات طعم للضار، وزينة للقبيح حتى تُصبح فكرة الاستهلاك ليس المستهدف منها فقط أن يستهلك الإنسان السلعة ولكن أن تستهلكه السلعة أيضًا، فتصبح فكرة المأكولات الجاهزة مثلًا سريعة التحضير التى تحتوى على زيوت مُهدرجة ومواد ضارة ومكونات لا تصلح للمعدة الآدمية وتسبب الأمراض المهلكة التى لا شفاء منها، هى المأكولات صاحبة الدعاية الأكبر والشكل الأشهى، وإعلاناتها تملأ الشوارع والشاشات وتقتحمك وتنادى على أطفالك.

 

صار هناك قوة وعتاد وترسانة كاملة تقف وراء تحويل الحياة الدنيا إلى ساحة استهلاك متبادلة، يقتل فيه المنتج الرديء الإنسان، ويقبل عليه الإنسان بكل اشتهاء وشغف، لم يقتصر الأمر على الطعام والشراب، لكنه امتد الى كل مناحى الحياة، حتى ينتصر السوق على الإنسان ويجعله هائمًا فى تنافس مقيت حتى يحصل على أكبر قدر من السلع المُهلكة التى ابتلعته قبل أن يبلعها، وعليه أن يأكل ويشرب ويشاهد أيضًا بعينها ويستمع ويرى ويتذوق ويشتهى وفق آليات التسويق التى تضع له القاذورات فى علب من قطيفة، ليجرى عليها مشتاقًا بكل طاقته، حتى الحياة نفسها يتم التسويق لها كوقت يجب أن يمضيه الإنسان فى فعل أشياء تجعله مُستمتعًا ضاحكًا بلا معنى، مترفًا سعيدًا ببلاهة، راقصًا بلا سبب، لاهثًا خلف اقتناء ما لا يريد، ليمر يومه به وهو لا يستطيع فيه أن يلتهم ويستهلك فقط إلا ما يملك شراءه من منتج ضار، و يمر الباقى من العمر سريعًا محبطًا وهو يلاحق شاشة الموبايل فى حسرة، الموبايل الذى تحول إلى ساحة مضيئة تقوم بشحنه كل لحظة بأمراض نفسية تجمع بين الحسرة وعدم القدرة بل والحسد أيضًا، حسد من لا يملك تلك السلع وهم غالب الناس، لمن يملك تلك السلع وهم أقلية صغيرة، ليصير الناس بين مستهلك قادر تصرعه السلع ويصرعها ومستهلك ناقم تصرعه بعض السلع القادر على امتلاكها وتجهز عليه وتقتله حسرته على السلع التى لا يمتلكها.

 

وكأن الهدف الأسمى الذى وضعه الأب المؤسس لتسويق السلعة الرديئة ( إبليس )، هو سلب إرادة الانسان، لأن إرادته الحرة تتراجع وتختفي، مع لحظة البهرجة والزينة، يصبح غير قادر على الاختيار بعقله (وهو شرفه الحقيقي)، فيختار برغبته وغريزته وتنبهر عينه بالألوان البراقة، وتلتذ أذنه بالضجيج، وتحجب حواسه المنجذبة عقله المضيء فينطفئ، وينتصر الشكل على المعنى، والزيف على الحقيقة، والضار على النافع، وينجح السوق وحده، السوق الاستهلاكى الذى ليس كما يبدو أنه سوق تُعرض فيه السلع على الناس، لكنه فى الحقيقة سوق لا توجد فيه إلا السلع فقط، لأن الإنسان نفسه هنا تحول إلى سلعة فاسدة بعد أن تم إفساد عقله وذوقه وجسده أيضًا، صار علبة براقة تحمل داخلها محتوى رديئا، فانتبه وأنت تستهلك لأنك تٌسْتَهْلَك .

* عن الأهرام..

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الحكاية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الحكاية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مصر اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مصر اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا