اخبار / مصر اليوم

”مافيا التعليم الخاص”.. شهادات تُشترى بالديون وأحلام تُباع بالآلافاليوم السبت، 8 نوفمبر 2025 10:01 صـ

في ظل ارتفاع التضخم وارتفاع الأسعار وتهيج الأسواق بنار الزيادة، أصبحت الحياة أكثر تعقيدًا أمام الموظف الذي لا يتقاضى سوى راتب ضئيل يكفي للعيش بعض الأيام ثم ينفد، ليبحث عن بدائل أخرى تتمثل في السلف والقروض والديون والعمل الإضافي، وكل ما يضمن له قوت يومه من أجل أن يعيش حياة نصف كريمة.

مع كل هذه المعاناة، ظهرت ما يُعرف بـ "جماعة المافيا" أو كما يُطلق عليهم البعض "التعليم الخاص". ففي هذا القطاع، توجد أبواب متعددة للأعباء المالية، بين ارتفاع المصاريف التي أثقلت كاهل الأهالي، وتخريج عشرات الآلاف من الخريجين كل عام دون فرص عمل، لتظل الشهادات بلا قيمة حقيقية، والدفع مستمر بلا أمل يُذكر.

أحمد رفعت.. حلم الطب بثمن الدين

يحكي أحمد رفعت، أحد طلاب الفرقة الأولى في كلية الطب الخاصة، تجربته: "عندما انتهيت من الثانوية العامة لم يحالفني الحظ في الالتحاق بكلية حكومية مرموقة، فبات الأمل عندي منقطعًا. فتوجهت للبحث على الإنترنت عن الجامعات الخاصة، فوجدت بعض الإعلانات التي أعلنت قبول دفعة جديدة بتكاليف تبدو في البداية بسيطة".

ويضيف أحمد: "في السنة الأولى دفعت 250 ألف جنيه، وكانوا قد سمحوا لي بالدفع على أقساط محددة"، مضيفًا: "أبي يعمل في وظيفة خاصة براتب لا يتجاوز 10 آلاف جنيه، وعندما اقترحت عليه فكرة الالتحاق بالجامعة الخاصة ودراسة الطب، لم يتردد لحظة في محاولة جمع المبلغ. لجأ إلى إحدى جمعيات القروض للحصول على ثلث المبلغ، ثم قدم طلب سلفة من العمل لتغطية القسط الأول، ومن ثم تمكنت من التسجيل في الجامعة".

تجربة أحمد تعكس واقع آلاف الطلاب وأسرهم، الذين يجدون أنفسهم مضطرين لدفع مبالغ ضخمة لقاء شهادة لا تضمن لهم مستقبلاً مهنيًا أو ماليًا، لتظل دورة التعليم الخاص مليئة بالديون والضغط النفسي، بينما يبقى سوق العمل عاجزًا عن استيعاب الخريجين.

عزام خالد.. التعليم أصبح "تجارة مربحة"

قمنا بالانتقال إلى قصة أخرى من طلاب ما يُسمّى بـ "تعليم المافيا"، وهو عزام خالد، الطالب في الفرقة الثالثة بكلية الصيدلة بإحدى الجامعات الخاصة. يروي عزام قصته قائلاً:

"دخولي كلية الصيدلة لم يكن خيارًا شخصيًا، بل كان بإصرار من أهلي الذين أرادوا لي مكانة ووظيفة مرموقة في المجتمع. بصراحة، كانت هذه الكلية من بين أحلامي، لكن عند رؤيتي لتكاليف الجامعات الخاصة، خصوصًا الكليات الطبية، ترددت كثيرًا وفكرت أن أكتفي بالالتحاق بكلية حكومية بتكلفة بسيطة مثل باقي زملائي. ومع ذلك، أصر أهلي على أن أدخل الجامعة الخاصة، وإلا فـ 'لنار جهنم'، وبالفعل سجلت فيها وأنا أخطو خطوة خطوة نحو هذا الطريق".

ويضيف خالد: "عند تقديمي للجامعة الخاصة في السنة الأولى، كان المبلغ المطلوب إجمالي 170 ألف جنيه، والدي موظف حكومي براتب ضئيل، ومع وجود إخوتي الأكبر والأصغر، كان من الصعب تغطية المصاريف، لم أرغب في إثقال كاهل والدي، لكن في النهاية أكملت مسيرتي التعليمية".

ويواصل خالد سرد معاناته: "كنت أستمع دائمًا إلى والديّ في جلساتهم الخاصة، وهم يفكرون في كيفية تدبير تكلفة العام الجديد الذي لم يبدأ بعد. شعرت بالخوف والضغط الشديد، خاصة وأنني في الفرقة الثالثة ولم أرغب بأن تضيع أعوامي الثلاثة هباءً، وجدت الحل في استلاف بعض الأموال من أقاربنا المقتدرين، رغم الفوائد، وأعلم أن ذلك ليس سهلاً ولا يرضي ضميري، لكن لم يكن هناك خيار آخر، فمستقبلي أهم من أي شيء آخر".

ويختتم خالد حديثه بالقول: "كل يوم أذهب للجامعة أشعر وكأنني أدخل إلى سوق تجاري، لا يفكر فيه أحد سوى المال وكيفية تحصيله منا، لا أتوقف لحظة للتفكير في صعوبة أو سهولة الامتحانات، كل ما يشغل بالي هو كيفية تدبير تكلفة الجامعة واستمرار دراستي. هذه المعاناة ستظل معي حتى أنتهي من هذا الطريق الصعب، الذي أصبح أشبه بحجر جحيم لا يُطاق".

ولي أمر: ندمت أني دفعت كل هذا لأجل الشهادة

وفي حديث مع أحد أولياء الأمور، قال صلاح محمد: "ابني بعد الثانوية حصل على مجموع 97%، ولم يتبق سوى نصف درجة لدخوله كلية الطب، وكان في حالة إحباط كبيرة بين أصدقائه الذين التحقوا بالكليات الطبية، بينما لم يتمكن هو بسبب هذا الفارق الضئيل، قررت أن أساعده في دخوله إلى جامعة خاصة كبيرة ومعروفة، لكن تكاليفها كانت هائلة، ولم أكن أستطيع تغطيتها بسهولة، فكانت تفرض عليّ دفع مبالغ يومية شبه مستمرة فاقت قدراتي وجعلتني في حيرة من أمري.

أتساءل أحيانًا هل أخطأت بالتسرع بإدخاله لهذه الجامعة، أم كنت مقصرًا في حقه بعدم السماح له بالدخول؟ لكن ما حدث قد حدث، وبقيت أنا أواجه معركة الحياة في تجميع تكلفة الجامعة كل عام، مع ديون وسلف كبيرة تتطلب مني جهدًا وعملاً مستمرًا لسدادها.

ونصيحتي الأخيرة لهذه الجامعات: 'أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء'. أما للأباء وأولياء الأمور، فأقول: 'ما لم تسطع، فلا تغامر'."

150 مليار جنيه سنويًا.. أين تذهب؟

مافيا المدارس والجامعات الخاصة بحاجة إلى يد قوية تردعها عن نهب أموال الشعب، ووضع ضوابط وبنود قانونية صارمة لا يمكن تجاوزها. فعلى الرغم من وجود قوانين وتعليمات واضحة، إلا أنها لم تُجد نفعًا أمام المبالغ الضخمة التي تتجاوز مليارات الجنيهات سنويًا، على سبيل المثال، إذا افترضنا أن عدد طلاب الجامعة مليون طالب وطالبة، ومتوسط تكلفة الطالب حوالي 150 ألف جنيه سنويًا، فإن إجمالي دخل الجامعة يصل إلى 150 مليار جنيه سنويًا، وهو رقم يوازي ميزانيات بعض الدول. السؤال هنا: أين تذهب هذه المليارات ومن المستفيد الحقيقي منها؟ لقد أصبح الأمر أكثر من مجرد جشع، بل نهب لأموال الشعب.

لم نكتفِ عند هذا الحد، بل أخذنا بعض الآراء القانونية. ففي تصريح للمحامي زهران محمد، قال: "إن الجامعات الخاصة تجمع مبالغ مالية ضخمة من الطلاب عبر الرسوم الدراسية المختلفة، وتشمل القسط السنوي، رسوم التسجيل، ورسوم الأنشطة والمختبرات، موضحًا أن هذه الأموال يجب أن تُستخدم لتغطية المصاريف التعليمية والتشغيلية للجامعة مثل رواتب أعضاء هيئة التدريس، تطوير البنية التحتية، ودعم الأنشطة الطلابية، وليس لأغراض شخصية لأصحاب الجامعة".

وأضاف زهران محمد: "القانون يلزم الجامعات الخاصة بتقديم تقارير مالية دقيقة للجهات الرقابية مثل وزارة التعليم العالي والهيئات المالية، لضمان الشفافية والمساءلة، وأي تحويل للأموال إلى حسابات شخصية أو استغلالها لتحقيق أرباح فردية يعد مخالفة صريحة للقانون ويعرض المسؤولين للمساءلة القانونية".

وأشار المحامي إلى أن الحالات التي تُجمع فيها أموال ضخمة دون مبرر، أو تُرفع الرسوم بطريقة تعسفية، يمكن وصفها بأنها استغلال تجاري للطلاب، مضيفًا: "القانون يتيح للطلاب وأولياء أمورهم تقديم شكاوى رسمية أو اللجوء للقضاء للمطالبة بحقوقهم، بما يشمل استرداد الأموال أو التعويض عن الأضرار المالية والنفسية"، وختم حديثه مؤكّدًا أن الأموال التي تدفعها الأسر للجامعات الخاصة يجب أن تظل مخصصة للعملية التعليمية، وأي تجاوز لذلك يعد خرقًا قانونيًا، ومن حق الجهات الرقابية التدخل، ومن حق الطلاب حماية أنفسهم لضمان ألا تتحول الجامعات إلى مجرد آلية للربح على حساب التعليم ومستقبل الطالب المهني.

تعتبر الجامعات والمعاهد الخاصة في مصر استثمارًا فاحشًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطنون، وكأن المشهد يتكرر سنويًا في استنزاف جيوب الشعب دون وعيه الكامل. ومن هنا، يصبح النظر في هذا الملف ضرورة ملحة، إذ يحتاج إلى وعي ومسؤولية من الجهات الرقابية لتحديد اتجاهات هذه الظاهرة التي باتت تؤثر بشكل مباشر على حياة الكثير من أولياء الأمور.

ويبلغ عدد الجامعات الخاصة والأهلية في مصر تقريبًا ما بين 37 و55 جامعة، بينما يصل عدد المعاهد الخاصة إلى 174 معهداً، وفق تصريحات سابقة للدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري. وقد أشار سؤال برلماني مُوجَّه مؤخرًا إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي إلى أن مصروفات الجامعات الخاصة في مصر هذا العام جاءت مخيبة لآمال الطلاب وأولياء الأمور، إذ ترتفع سنويًا بشكل مبالغ فيه دون مراعاة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الجميع.

وتتصدر الجامعة الأمريكية بالقاهرة قائمة الجامعات الخاصة والدولية الأعلى تكلفة، حيث يعتمد نظام الدراسة فيها على الساعات المعتمدة. ويبلغ متوسط المصروفات الدراسية لكل ساعة معتمدة 667 دولارًا أمريكيًا لطلاب البكالوريوس المصريين، و735 دولارًا أمريكيًا لطلاب البكالوريوس الأجانب، مع إتاحة خيار السداد إما بالدولار الأمريكي أو بالجنيه المصري.

وتستغرق دراسة البكالوريوس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة نحو أربع سنوات، إذ يتطلب استكمال التخصصات النظرية ما لا يقل عن 138 ساعة معتمدة، بينما تحتاج التخصصات العملية والتطبيقية إلى 144 ساعة معتمدة على الأقل. وبناءً على ذلك، يصل الحد الأدنى لمصروفات العام الدراسي الواحد إلى نحو مليون جنيه مصري، وهو مبلغ ضخم يصعب على ملايين الأسر تحمله سنويًا، ما يجعل عبء التعليم الخاص المتميز عبئًا ماليًا ثقيلاً يثقل كاهل أولياء الأمور.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الطريق ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الطريق ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مصر اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مصر اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا