كان من المفترض أن تكون الجمعيات التعاونية للإسكان هي "المنقذ" لشريحة واسعة من المصريين الباحثين عن سكن ملائم بعيدًا عن نار أسعار السوق العقاري. فكرة بسيطة وعادلة: مجموعة من المواطنين يجتمعون داخل جمعية، يدفعون مدخراتهم، ثم تقوم الجمعية بتخصيص الأراضي والبناء وتوزيع الوحدات بتكلفة معقولة. حلمٌ بدأ في السبعينيات والثمانينيات كأحد أدوات العدالة الاجتماعية، لكنه مع مرور الوقت انقلب إلى كابوس طويل من التعثر والفساد، لتصبح آلاف الأسر عالقة بين مشروعات متوقفة وحقوق ضائعة وتقارير رقابية صادمة. تقرير المركزي للمحاسبات: ملايين مهدرة وجمعيات متعثرة التقرير الأخير للجهاز المركزي للمحاسبات كشف صورة قاتمة عن واقع التعاونيات. فالمستحقات غير المحصلة لدى بعض الجمعيات الاتحادية والمشتركة بلغت نحو 22.194 مليون جنيه موزعة بين محافظات كبرى مثل بورسعيد والسويس والجيزة والقاهرة. في المقابل، لم تلتزم جمعيات أخرى بسداد رسوم العضوية والاشتراكات، ما أدى إلى شلل إداري ومالي واسع. الأخطر أن بعض الجمعيات لم تعرض قوائمها المالية على الأجهزة الرقابية في المواعيد المقررة، الأمر الذي تسبب في تعطيل مراجعة الميزانيات واعتمادها. وفي مشروعات مثل 6 أكتوبر والشروق، لم تتجاوز نسب التنفيذ 32% رغم أن التكلفة التقديرية بلغت 153.6 مليون جنيه، بينما تم صرف 48.6 مليون جنيه بالفعل حتى منتصف 2006. الأعضاء دفعوا نحو 28 مليون جنيه، لكن المشروعات تعطلت وسط فراغ إداري ورقابي. كما أشار التقرير إلى وجود 58 جمعية صدر بحقها قرار حل وتصفية منذ عام 1986، لكن التصفية لم تُنجز حتى الآن، وبلغت حقوق الأعضاء غير المصروفة نحو 1.4 مليون جنيه. مشاهد تكشف عن تراكم أزمات منذ عقود دون حلول حقيقية. نزاعات لا تنتهي واستثمارات ضائعة التقرير الرقابي رصد أيضًا ضياع استثمارات ضخمة. في مصر الجديدة، كلّف مشروع الجراج العمومي الجمعيات التعاونية 1.678 مليون جنيه، لكنه أُزيل بقرار إداري دون تعويض. وفي واقعة أخرى، تعاقدت إحدى الجمعيات مع شركة كندية لبناء 6 آلاف وحدة سكنية منذ الثمانينيات، إلا أن الشركة انسحبت تاركة مديونية تقارب 10 ملايين جنيه، بالإضافة إلى خطاب ضمان بقيمة 5.3 مليون دولار كندي لم يتم تسييله حتى اليوم. تكررت أيضًا شكاوى الأعضاء من مضاعفة المبالغ المطلوبة أو إلغاء الحجوزات بعد سنوات من الانتظار. بعضهم وجد نفسه مطالبًا بثلاثة أضعاف ما دفعه أصلًا، وآخرون عالقون في نزاعات مع مجالس إدارات ترفض رد الأموال أو تعويضهم. النتيجة: أسر فقدت مدخراتها، ومواطنون بين مطرقة الجمعيات وسندان المقاولين. الإصلاح المؤجل.. هل تتحرك الدولة؟ كل هذه الوقائع تؤكد أن أزمة الإسكان التعاوني لم تعد مرتبطة بحالات فردية، بل هي خلل بنيوي في القوانين والرقابة والإدارة. المواطنون دفعوا أموالهم على أمل الحصول على "سكن العمر"، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة منظومة مترهلة تفتقد الشفافية والمحاسبة. اليوم، ومع تضخم حجم النزاعات القضائية وتعثر عشرات الجمعيات، لم يعد الإصلاح رفاهية مؤجلة. المطلوب تدخل عاجل من الدولة لتعديل التشريعات، وتشديد الرقابة على الجمعيات، وضمان حقوق المواطنين، حتى تعود فكرة التعاونيات إلى هدفها الأصلي: توفير سكن آمن ومناسب بعيدًا عن المضاربات والفساد. فالحلم الذي بدأ بشعار "السكن للجميع"، لن يعود إلى مساره الصحيح إلا إذا تحولت التقارير الرقابية إلى إجراءات فعلية تُعيد الثقة المفقودة وتعيد الحقوق لأصحابها. ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الطريق ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الطريق ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.