اخبار / مصر اليوم

عبد الرحيم كمال يكتب: أشباح التيك توكرز والحقيقة الغائبة

ما الذى يجعل الطمع يتنكر فى هيئة طموح؟ الجواب واحد: غياب القيمة.

فى زمن مضطرب كهذا، لم يعد الجسد وحده معروضًا فى المزاد، بل الوقت، والكرامة، والمشاعر، وحتى الألم الشخصى صار قابلًا للتداول. لم يعد سؤال «ماذا تعرف؟» هو المهم، بل «كم يتابعك الناس؟» ولا «ما قيمتك؟» بل «كم ربحت؟». ومع شاشات الهواتف، دخلنا إلى عالم لا يشبه شيئًا مما عرفناه من قبل؛ حيث صار من الممكن أن تصعد إلى القمة عبر سقوطك، وأن تصبح نجمًا لأنك أبكيت أحدهم، أو فضحت نفسك، أو اصطنعت فضيحة.

ظهر جيل جديد لا يشبه ما اعتدناه من الحالمين، لا يريدون الانتظار، ولا يشغلهم التعلم، فقط يبحثون عن «التريند»، عن ضوء الكاميرا، وعن مجد هش لا يصمد أمام أول هزّة. لم يعودوا يسألون: «لماذا أريد أن أكون مشهورًا؟» بل: «كيف أصل بسرعة؟». لا يهم كيف تبدو، ولا ما تقول، المهم أن تُلفت النظر. أصبحت الضجة هى الهدف، واللايكات هى المكافأة، والضوء الساطع هو الخلاص، حتى لو كان قادمًا من نار.

هكذا، شُيد وهمٌ اسمه «الربح بلا تعب». لا حاجة لموهبة، لا حاجة لمشقة، لا حاجة حتى للصدق. كل ما يلزمك هو هاتف متصل بالإنترنت، وبعض الجرأة أو بعض الادّعاء، أو قليل من البكاء المصطنع، وربما قصة مفبركة أو لحظة سقوط يتم توثيقها على الهواء، يكفى أن تفتح الكاميرا وتبدأ البث، وما إن تتدفق «اللايفات»، حتى تبدأ النقود فى الهطول… هكذا يتخيل كثيرون، لكن ما يغيب عن الأعين، أن هذه «الحياة» لها وجه آخر، وجه قاسٍ، غامض، مُتصدع، لا يظهر فى أول الفيديو، بل فى نهايته. نسمع عن جرائم تبدأ بـ «صانع محتوى»، أو «مشهور على تيك توك»، وتنتهى بدماء، شخص يُقتل على الهواء، آخر يهدد بالانتحار، فتاة تصرخ فى الشارع وتصور، وجمهور خلفها لا يتدخل، بل يكتفى بالمشاهدة والمشاركة، تحوّلت شاشات الهواتف إلى مسرح مفتوح بلا سقف، يمثل فيه الناس بلا نص، البطولة تُمنح لمن يصدم أكثر، لا لمن يُلهم. الجسد أصبح أداة للاستهلاك، والمرض وسيلة للشفقة، والخطر قناة للوصول، الإنسان لم يعد إنسانًا؛ بل شبحًا، ليس حيًا بما يكفى ليُدرك نفسه، ولا ميتًا بما يكفى ليُريح أو يُستراح منه. فقط ظلّ يتحرك، يصرخ، يبكى، يرقص، ينهار… وكل ذلك من أجل أن يراه أحد.

فمن المسئول عن هذا المشهد الفوضوى؟

هل هو الشاب الذى فتح هاتفه ليبث لحظات ضعفه؟

 

أم الجمهور الذى لا يغلق الفيديوهات بل يُعيد مشاركتها؟

 

أم المجتمع الذى عجز عن احتواء أبنائه فدفعهم إلى العدم؟

 

أم شاشات الهواتف التى جعلت من السطحية سلوكًا عامًا ومن «الشهرة» هدفًا مُطلقًا؟

الإجابة الأقرب إلى الصواب: الكل شريك.

شاشات الهواتف لا تُفرّق بين الجيد والرديء، هى فقط تُضخم ما يلفت الانتباه، وما يُدرّ أرباحًا. الخوارزميات لا تهتم بالقيم، بل بالتفاعل. إن ضحكت، بكيت، رقصت، عريت نفسك، افتعلت جنونًا أو عنفًا… أيًا كان، المهم أن تُشاهد. أما المُعلِن، فهو شريك خفى، لا يسأل عن السياق، ولا عن نوع المحتوى، كل ما يعنيه أن يجد جمهورًا واسعًا، و«وصولًا» عاليًا، وأرقامًا مغرية. فلا حرج عنده أن تُوضع إعلاناته بين فيديوهات منحطة، طالما أن الأرقام ترتفع، حتى لو كان ذلك على حساب عقل، أو حياة، أو كرامة إنسان، ثم هناك الجمهور. ذلك الجمهور الذى يشاهد، ويشارك، ثم يتباكى إذا انتهى الفيديو بجريمة أو مأساة. جمهور يمتلك زر الإغلاق لكنه لا يستخدمه، أدمن السقوط، وأصبح يرى فى انهيار الآخر نوعًا من الترفيه. جمهور نسى أن ما يُشاهد ليس تمثيلًا دائمًا، بل ربما حياة حقيقية تنهار لحظة بلحظة، أما الفرد نفسه، فهو الضحية الأولى والأخيرة. صدّق أن الشهرة تُغنى، وأن عدد المتابعين شهادة نجاح، وأن المال يمكن أن يأتى بلا جهد، وأن كل شيء مباح إذا كان «تريندًا». لم يفهم أن ما يُبنى بلا أساس، ينهار فوق رأس صاحبه أولًا.

 

أسئلة مريرة تطرح نفسها كل يوم:

 

ما الذى يجعل إنسانًا يبث موته لايف؟

 

ما الذى يدفع فتاة لتصرخ فى الشارع كى تُشهر نفسها؟

 

ما الذى يجعل شابًا يتظاهر بالفقر ليكسب من الشفقة؟

 

ما الذى يجعل الطمع يتنكر فى هيئة طموح؟

 

الجواب واحد: غياب القيمة.

 

حين تُنتزع القيمة من الوعى، لا يعود هناك فرق بين الصدق والتمثيل، بين الفرح الحقيقى والدموع المصطنعة. المقياس لم يعد «ماذا أصبحت؟»، بل «كم ربحت؟»، لكن، لا يجوز أن نكون قساة تمامًا فى أحكامنا، وربما قبل أن نحاكم هؤلاء، علينا أن نُراجع فهمنا لحرية التعبير.

 

هل هى حرية أن تقول أى شيء، بأى طريقة، ولأى غرض؟

 

أم أن الحرية تستحق أن تُمنح لمن يُقدّم شيئًا يُلهم، أو يُفيد، أو حتى يُسلّى بذكاء؟

 

ليس من حق أحد أن يمنع أحدًا من أن يكون مرئيًا، لكن ما نفتقده هو السؤال: لماذا تريد أن تُرى؟ وماذا ستُضيف حين تُرى؟، ربما فى قلب كل شاب على شاشة الهاتف توجد قصة لم تُحكَ، ربما هناك طفل لم يجد من يسمعه فصرخ أمام الجميع، وفتاة لم يلتفت لها أحد فصنعت لنفسها جمهورًا من العدم.

هؤلاء لا يحتاجون إلى سخرية، بل إلى احتواء. لا إلى اتهام، بل إلى فهم، لأن شاشات الهواتف لم تخلقهم، بل فقط كشفتهم. ولأن العالم الحقيقى فشل فى إعطائهم مكانًا، فبحثوا عنه فى الفراغ.

 

فما الحل؟

 

الحديث عن الحلول دائمًا صعب فى عالم يتحرك أسرع من وعينا به، لكن ربما البداية تكون بالاعتراف: هناك خلل كبير، وهم الكسب بلا تعب هو سمّ ينتشر فى العقول، شاشات الهواتف لا تعكس الحقيقة دائمًا، بل كثيرًا ما تُزيفها، نحتاج أن نُعيد تعريف النجاح، أن نُعيد الاعتبار إلى التعب، والموهبة، والتعلم، والاحترام، أن نخلق فرصًا حقيقية تحترم الإنسان فلا يهرب إلى الوهم، أن نربى الذوق العام، ونهذّب الحواس، فلا تنجذب فقط إلى ما هو صاخب، بل إلى ما هو صادق.

 

«أشباح التيك توكرز» ليسوا أشباحًا لأنهم أشرار، بل لأنهم تائهون، يصرخون فى فضاء لا يسمع فيه أحد.

 

يحلمون بكسب لا يعرفون ثمنه، ويظهرون كل يوم أمام الشاشة، على أمل أن يراهم أحد… أن يُصدّقهم أحد… أن يُنقذهم أحد، لكن فى أغلب الأحيان، لا يرى أحد سوى سقوطهم الأخير.

 

لم تعد الكارثة فى أن يفتح شاب أو فتاة شاشة الهاتف، بل فى أن يكفر جيلٌ كامل بقيمة التعب، لم يعد الجهد معيارًا، ولا الكفاءة مقصدًا، بل صارت الوقاحة والابتذال عملة رائجة. تُعرض الكرامة والخيال وحتى الألم للبيع، لا لشيء إلا جذب النظر، لا موهبة، لا صبر، فقط هاتف وإنترنت وبعض الضجيج. تحول الإنسان إلى شبح: ليس حيًّا بما يكفى ليُدرك، ولا ميتًا ليُستراح منه. الجريمة صارت جزءًا من العرض، والموت يُبث مباشرة، والجمهور يضحك ثم يتباكى. لا أحد يسأل «لماذا؟»، فقط: «كم ربحت؟». المسئولية مشتركة: مجتمع عجز عن تقديم معنى، فألقى بأبنائه إلى شاشات تُزيّف الواقع وتمنح الشهرة لمن يصرخ أعلى، لا لمن يستحق. وما الحل؟ أن نُعيد الاعتبار للقيمة، للموهبة، للتعب، وأن نُعلم الناس: أن لا شيء يُعوّل عليه يُؤخذ بلا ثمن.

 

* نقلًا عن أخبار اليوم

 

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الحكاية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الحكاية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مصر اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مصر اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا