الطاقة في آسيا الوسطى .. أزمة مستفحلة تتطلب 1.4 تريليون دولار استثمارات حتى 2050 #تقارير_الاقتصادية مع بداية فصل الشتاء دب الذعر والفزع من جديد في قلوب مواطني بلدان منطقة آسيا الوسطى، فما حدث لهم شتاء العام الماضي ليس ببعيد، إذ شهدت بلدان المنطقة أزمة طاقة غير مسبوقة، تمثلت في نقص حاد في الغاز وانعدام الأمن الكهربائيورغم أن دول المنطقة سعت للتغلب على تلك المشكلة، وتحسين كفاءة شبكات الطاقة لديها عبر سلسلة من الإجراءات لتقليل نقاط الضعف وتجنب تكرار ما حدث، إلا أن المواطنين لا يزال ينتابهم الخوف والقلق من تكرار تجربة شتاء 2022 بما تحمله معها من معاناة نتيجة انقطاع التدفئة والكهرباء وتأثيرها السلبي على الحياة الاقتصادية عامة وحياتهم اليومية خاصة الغريب في هذا النوع من المشكلات التي تواجه سكان آسيا الوسطى أنها تحدث رغم أن المنطقة غنية بمواردها الطبيعية ومصدر رئيس للغاز، وقد دفعت أزمة الكهرباء بمعظم دولها إلى إعادة النظر في مستقبل صادراتها من الغاز الطبيعي خاصة مع تصاعد الطلب المحليومن بين أكثر دول المنطقة عرضة لمواجهة ضغوط الشتاء هذا العام أوزبكستان وقيرغيزستان وإلى حد ما، كازاخستان، وإذ تعمل أوزبكستان وقيرغيزستان على إيجاد حلول عبر طلب المساعدة الخارجية من روسيا والصين، إلا أنه حتى في حال الحصول على دعم موسكو فإن ذلك لن يحل الأزمة جذرياتواجه أوزبكستان نقصا في الغاز مع زيادة الطلب المحلي، وقد وجدت ضالتها في اتفاق وقعته في يونيو الماضي مع روسيا لتوريد الغاز الروسي إليها عبر كازاخستان بدءا من أكتوبر الماضي، وبموجب الاتفاق ستحصل أوزبكستان على 2.8 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من شركة غازبروم الروسية بما يقدر بتسعة ملايين متر مكعب يوميا. مع ذلك لا يمثل الاتفاق حلا للمشكلة، إذ إن أوزبكستان في حاجة إلى شراء ستة مليارات متر مكعب من الغاز الروسي لحل أزمة الطاقة المحلية لديهايقول لـ"الاقتصادية"، دانيال سيرجي الخبير في مجال الطاقة: "أزمة الطاقة في دولة مثل أوزبكستان لا تعود إلى نقص الموارد بقدر ما تعود إلى التزامات دولية ألزمت بها الحكومة نفسها دون أن يكون لديها القدرة الكاملة على القيام بها"ويضيف: "بصرف النظر عن الطلب المحلي المتزايد، فإن أوزبكستان لديها صفقة غاز مع الصين، تلزمها بتسليم ما قدره عشرة مليارات متر مكعب من الغاز إلى الصين سنويا، ومنذ توقيع الاتفاقية فإنها تكافح من أجل الالتزام بتعهداتها بسبب موارد الطاقة غير المستقرة لديها، وزاد الاتفاق من تحديات الأزمة الراهنة، ولذلك فإن الغاز الإضافي الذي سيتم الحصول عليه من روسيا لا يمكن أن يحل الأزمة الداخلية في أوزبكستان إلا مؤقتا، طالما كان على أوزبكستان الوفاء بالتزاماتها بشأن تصدير الغاز إلى الصين"تنبع منطقية هذا التحليل من حالة الارتباك التي تعانينها أوزبكستان بشأن صادرتها من الغاز إلى الصين منذ بداية العام الحالي، ففي الربع الأول من عام 2023، علقت صادراتها لسبب نقص الغاز المحلي، واستمر ذلك نحو أربعة أشهر، لكنها عاودت التصدير في أبريل وبكميات أكبر لتعويض الكميات التي لم تسلم سابقا، لكن ذلك لم يمنع كبار المسؤولين عن قطاع الغاز في البلاد من الإعلان أنهم يفكرون في التخلي بالكامل عن تصدير الغاز للصين بحلول عام 2026 نتيجة الطلب المحلي المتزايد، وعدم كفاية الإنتاج المحلي لتلبية كل من الصادرات والاستهلاك المحليلكن تلك التصريحات قد تكون وليدة اللحظة الراهنة ولإرضاء حالة التذمر والتململ الشعبي مع حلول الشتاء، فإلغاء الاتفاقية مع الصين يضعف علاقاتها الاقتصادية مع بكين، وسينجم عن ذلك خسائر اقتصادية ضخمة على أوزبكستان، والأكثر خطورة أنه يقوض مصداقيتها كدولة مصدرة للغاز، فقد زودت أوزبكستان وكازاخستان الصين بنحو 11 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عام 2021 وهو ما يمثل خمس واردات الصين من الغازلكن المشكلة لا تقف عند هذا الحد، فإنتاج الغاز في أوزبكستان دخل مرحلة التراجع النهائي، وعمر الاحتياطي المتاح لا يتجاوز 18 عاما، ولا يوجد احتمال لاكتشافات جديدة ذات أهمية، في الوقت ذاته يتوقع أن يزداد الاستهلاك المحلي بنسبة 40 في المائة بنهاية هذا العقد، خاصة مع تطوير البلاد لعدد من الصناعات كثيفة الاستخدام للغاز، إضافة بالطبع إلى النمو السكاني السريع، كما أن البنية التحتية متداعية وتحديدا في مجال الإسكان، حيث إن المنازل قديمة ورديئة في مجال العزل الحراري، إضافة إلى أن سياسة الدعم الحكومي ونقص الاستثمارات في القطاع يفاقم المشكلةالمشهد في كازاخستان لا يبدو بعيدا عن نظيره في أوزبكستان رغم احتياطاتها الهائلة من الغاز، إذ تحتل المرتبة الـ19 في العالم من حيث احتياطات الغاز، لكنها تكافح للحفاظ على فائض من الغاز الطبيعي خاصة مع تراجع قدرة البلاد في معالجة الغاز في وقت يتنامى فيه الطلب المحلي بسرعة، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 41 في المائة من السكان لا يستطيعون الوصول إلى الغاز ويستخدمون الفحم في التدفئةالدكتورة ماريا بوتينج أستاذة الدراسات الآسيوية في جامعة أدنبرة تشير إلى أن كازاخستان في وضع أفضل نسبيا من أوزبكستان، إذ إن كلتا الدولتين متعاقدة على أن تسلم كل واحدة منهما الصين عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، ورغم أن أيا منهما لم يقترب من تسليم الكمية المتعاقد عليها بالكامل في أي وقت، فإن عقد كازاخستان مع الصين ينتهي هذا الشهر، ما يجعل البلاد في وضع أفضل نسبيالكنها تقول لـ"الاقتصادية": "لدى كازاخستان احتياطات كبيرة من الهيدروكربونات، ولكن البنية التحتية سيئة، والمشكلة لا تكمن في نقص الغاز، إنما يكمن التحدي في هيكل سوق الغاز والقيود الصارمة على الأسعار بالنسبة للمستهلكين، ومعالجة الغاز المحلي غير مربحة بسبب التعريفات الصارمة، ومحطة معالجة الغاز الوحيدة في البلاد غير كافية، كما أن هناك اتهامات واسعة بتفشي الفساد بشكل كبير في قطاع الغاز"من هنا يرى البعض أن كازاخستان التي تصدر 1.4 مليون برميل من النفط يوميا، وأنتجت ما يقارب من 28 مليار متر مكعب من الغاز، بينما لا يتجاوز استهلاكها من الغاز التجاري 19.3 مليار متر مكعب، لا تعاني مشكلة حقيقية تؤدي إلى معاناة السكان نقص إمدادات الطاقة في فصل الشتاء القارس، وإنما في حاجة ماسة إلى إعادة ترتيب أوراقها الداخلية وإصلاح قطاع الطاقة عبر توسيع قدرات محطات الغاز ومصافي الطاقة المحلية، إضافة إلى إصلاح هيكل الأسعار المحلية لترشيد الاستهلاكبينما قيرغيزستان دولة أخرى من دول وسط آسيا تواجه أخطارا هائلة في مجال الطاقة، مع احتمال كبير أن تتفاقم مشكلة الكهرباء لديها هذا الشتاء، خاصة أن إنتاجها من الطاقة الكهرومائية كانت دائما أقل من تلبية الطلب المحلي، وتزداد التحديات هذا العام أكثر من أي وقت مضى مع تقلص الإنتاج في محطة الطاقة الكهرومائية من خزان توكتوجول الذي يولد أغلب الكهرباء في البلادالمشكلة الرئيسة بالطبع تكمن في أن إنتاج البلاد من الطاقة يراوح بين 14 و15 مليار كيلوواط/ساعة سنويا، بينما يصل.....لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه